"تفكيك اتفاقيات أوسلو".. كيف تعمل إسرائيل على إجهاض "حلم الدولة الفلسطينية"؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

من المنتظر أن يكون مصير الضفة الغربية وقيام دولة فلسطينية ضمن حلول السلام المقترحة بين إسرائيل والفلسطينيين أحد الموضوعات المهمة التي سيتم  تسليط الضوء عليها خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، وذلك في ظل اعتزام دول المملكة المتحدة، وفرنسا، وكندا، وأستراليا الاعتراف بدولة فلسطينية.

ومع ذلك، يواجه حل الدولتين الذي يأتي ضمن إعلان نيويورك الذي أقرته الأمم المتحدة بأغلبية ساحقة 142 دولة الأسبوع الماضي لتسوية القضية الفلسطينية، مصيراً مجهولاً وسط تصريحات من مسؤولين إسرائيليين بأنه لن يكون هناك دولة فلسطينية، وفي ظل اعتماد مشروع استيطاني يقسم الضفة الغربية ويفصلها عن مدينة القدس.

 

ما الذي تفعله إسرائيل لتفكيك الحلم الفلسطيني؟

 

بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فإن وزير المالية الإسرائيلي وزعيم حزب الصهيونية الدينية الذي تعود أصوله إلى رفض ما تعرف باتفاقيات أوسلو، ويشكل دعامة ائتلاف رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، هو أحد الذين عملوا بقوة على انهيار اتفاقيات أوسلو خلال السنوات الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين. 

ووُقعت اتفاقيات أوسلو في منتصف التسعينيات بين حكومة إسرائيلية يسارية ومنظمة التحرير الفلسطينية مما أدى إلى إنشاء السلطة الفلسطينية التي تولّت حكماً ذاتياً محدوداً في أجزاء من الأراضي المحتلة، على أمل توسع المؤسسات التي أُنشئت بموجب تلك الاتفاقيات بالتزامن مع الانسحابات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية، مما يُمهّد الطريقَ لانتقال سلس إلى الدولة الفلسطينية.

لكن بالنسبة للإسرائيليين اليمينيين، كانت اتفاقيات أوسلو تمثل خيانةً لمطالبهم الصهيونية والدينية، وتم اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين عام 1995 لتوقيعه الاتفاقيات، بحسب التقرير.

وقال المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط ومفاوض السلام خلال سنوات أوسلو، دينيس روس، للصحيفة البريطانية: "ما تُمثّله أوسلو لسموتريتش هو تهديد قيام دولة فلسطينية ناشئة". وأضاف أنه مع مشاركة سموتريتش في تولي السلطة خلال الفترة الحالية فإنه "يريد إزالة أي أثر، أو حتى إمكانية لحدوث ذلك".

وهدد سموتريتش بالرد على الاعتراف المرتقب من بعض الدول بدولة فلسطينية، من خلال ضم منطقة تعادل 82% من مساحة الضفة الغربية، والتي، إذا ما أُضيفت إليها القدس الشرقية، ستضم 750 ألف مستوطن إسرائيلي.

 


اقرأ أيضاً: ترامب: أختلف مع رئيس وزراء بريطانيا بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية


 

استغلال حرب غزة


حتى قبل هذا التهديد، استغل سموتريتش شبح الحرب في غزة لتفكيك ما تبقى من أوسلو في الضفة الغربية بشكل منهجي، مُضيّقاً الخناق على ما فشلت مليارات الدولارات من المساعدات الغربية وثلاثة عقود من الدبلوماسية في إقامته، أي دولة فلسطينية وليدة.

واستولت إسرائيل على مساحات شاسعة من الأراضي في الضفة الغربية، وأقامت مئات نقاط التفتيش الجديدة، ودمرت مخيمات اللاجئين، بحسب التقرير. كما اجتاحت موجة من المستوطنين المتطرفين القرى النائية، وتآكل ما تبقى من الاستقلال الذاتي للفلسطينيين في هذه المناطق، مما يمهد الطريق أمام الهدف النهائي لليمين، وهو ضم الضفة الغربية أو ما تعرف بمنطقة "يهودا والسامرة" إلى إسرائيل نفسها.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأسبوع الماضي عندما زار مستوطنة معاليه أدوميم، والتي تتوسع لتقسم الضفة وتفصله عن القدس ضمن مشروع جديد: "لن تكون هناك دولة فلسطينية. هذا المكان لنا".

ووفقاً لتقرير فايننشال تايمز، دأبت إسرائيل على إضعاف البنية الهشة للحكم التي أوجدتها اتفاقية أوسلو في الضفة الغربية منذ توقيع الاتفاقيات تقريباً، وذلك من خلال توسيع المستوطنات، غير القانونية بموجب القانون الدولي، وبناء الجدران، وتعميق وجودها العسكري هناك.

ولكن تحت تأثير سموتريتش - الذي يشغل أيضًا منصباً رفيعاً في وزارة الدفاع الإسرائيلية خاصة فيما يتعلق بإدارة الشؤون المدنية في الضفة الغربية - حققت إسرائيل تقدماً أكبر في الأشهر الـ 23 الماضية من الصراع مقارنةً بالعقود التي سبقتها.

وبعد تسعة أشهر من دخول الجنود الإسرائيليين مخيم جنين للاجئين، باتت إسرائيل تسيطر بشكل كامل على المخيم ومخيمين آخرين قريبين منه، فيما يعتبر أطول وجود إسرائيلي في مدينة فلسطينية منذ أواخر التسعينيات، وبشكل ألغى سلطات السلطة الفلسطينية، بحسب التقرير. وقال مسؤول في المدينة لفايننشال تايمز: "أضطر الآن إلى طلب أي شيء من الإسرائيليين، حتى الإذن بمد أنبوب مياه".


اقرأ أيضاً: "إعلان نيويورك" المؤيد لإقامة دولة فلسطينية.. ما هي حيثيات قرار الأمم المتحدة وأبرز ردود الفعل؟


 

إضعاف الاقتصاد والسلطة الفلسطينية

 

في رام الله، العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية، ادعى مسؤولون فلسطينيون بأن إسرائيل تعمل من خلال جهد منسق على انهيار النظام المصرفي الفلسطيني. وقال محافظ سلطة النقد الفلسطينية، يحيى شنار للصحيفة: "هذه حرب أرخص بكثير من تلك التي يخوضونها في غزة - بتدمير نظامنا المالي، سيخنقون اقتصادنا، ثم يُسقطون حكومتنا".

وقال سفير السلطة الفلسطينية لدى المملكة المتحدة، حسام زملط، لفايننشال تايمز، إنه تم إضعاف المؤسسات الفلسطينية، مجتمعةً، إلى حد الانهيار. وأضاف: "نحن في لحظة وجودية بالغة الأهمية".

وقال المفاوض الأميركي المخضرم، آرون ديفيد ميلر، للصحيفة، إن هذا الإضعاف يعتبر خطوة ضرورية لتحقيق طموحات سموتريتش، حتى لو كانت هناك مشكلات تتعلق بشعبية السلطة الفلسطينية.

ويقول الذراع اليمنى لسموتريتش في الكنيست، والمحاور الرئيسي للحزب مع البيت الأبيض، أوهاد تال، للصحيفة البريطانية: "الهدف الأول، وقبل كل شيء، هو تفكيك السلطة الفلسطينية. أما الهدف الثاني، فهو بسط السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة (الضفة الغربية)".

درس سموتريتش تفاصيل اتفاقيات أوسلو، وفقاً لمساعديه، مما سمح له بالعمل على تسريع انهيار السلطة الفلسطينية من خلال استغلال القرارات التي اتُخذت خلال فترة أكثر تفاؤلًا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وقال غسان الخطيب، الذي تفاوض نيابةً عن منظمة التحرير الفلسطينية في أوائل التسعينيات، لفايننشال تايمز، إن واضعي اتفاقيات أوسلو كانوا يهدفون إلى ترابط الاقتصادين الإسرائيلي والفلسطيني. فأصبح الشيكل الإسرائيلي العملة الفعلية للأراضي الفلسطينية. ووافق الإسرائيليون على تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات إلى الأراضي الفلسطينية وتحويل الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية لدفع الرواتب. وفي عام 1994، أُنشئت سلطة النقد الفلسطينية.

 


اقرأ أيضاً: تفاصيل "ريفييرا غزة".. وصاية أميركية ومدن ذكاء اصطناعي وتهجير مليوني شخص


 

لكن هذه الاتفاقيات منحت سموتريتش، الذي يتولى منصب وزير المالية الإسرائيلي منذ عام 2022، سيطرة كبيرة على الاقتصاد الفلسطيني، بحسب الصحيفة.

وحجب سموتريتش - غالباً لأشهر متواصلة - عائدات الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، ولم يُفرج إلا عن مبالغ جزئية إما لسداد ديون السلطة الفلسطينية لشركة الكهرباء الإسرائيلية، أو تحت ضغط شديد من المجتمع الدولي.

ومع مرور الوقت، تراكمت هذه المتأخرات لتصل إلى حوالي 10 مليارات شيكل، أو ثلاثة مليارات دولار، وفقاً لمسؤولين فلسطينيين، مما جعل السلطة الفلسطينية عاجزة عن دفع رواتب كاملة لموظفي الخدمة المدنية وضباط الشرطة والعاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يشكلون جوهر حكومتها المحدودة. وفي الأول من سبتمبر/ أيلول، لم تفتح المدارس الفلسطينية أبوابها ولم تُدفع رواتب المعلمين.

ويقول الخطيب: "خطته فعّالة للغاية - كل ما يحتاجه سموتريتش هو الوقت". "إذا لم يتدخل أحد، فلن تتمكن السلطة الفلسطينية من دفع الرواتب - ستكون تلك بداية الانهيار، وسيحقق هدفه في تفكيك السلطة الفلسطينية".

وبحسب التقرير، يتمتع مكتب سموتريتش أيضاً بسلطة حجب التعويض الذي يقدمه للبنوك الإسرائيلية عن تعاملات عملائها مع الشركات الفلسطينية. 

وقال محافظ سلطة النقد الفلسطينية إنه بدون هذا التعويض، سيتراجع الاقتصاد الفلسطيني - الذي تُعتبر إسرائيل شريكه التجاري الرئيسي - إلى أيام ما قبل أوسلو، مع سوق رمادية ضخمة من المعاملات النقدية غير المنظمة.

ويُجري العديد من الفلسطينيين في الوقت الحالي معاملات أكبر، مثل شراء العقارات، بالدينار الأردني أو الدولار الأميركي. بينما تعاني البنوك الفلسطينية من فائض السيولة النقدية - ومن آثار اتفاقيات أوسلو أن البنك المركزي الإسرائيلي لا يقبل الآن سوى 18 مليار شيكل سنوياً من أجل تحويلها إلى ودائع إلكترونية. أما الفائض النقدي المُتراكم - والذي يُقدر في الوقت الحالي بحوالي 13 مليار شيكل - فهو مُهمَل في خزائن البنوك الفلسطينية.

وقال محافظ سلطة النقد الفلسطينية إن مناشداته لنظيره في بنك إسرائيل لم تُجدِ نفعاً. وفكّر في بيع فائض الشيكل إلى بنوك أميركية مقابل العملات الأجنبية. لكن صلاحياته محدودة كمسؤول عن البنك المركزي بدون عملة خاصة.

وبمنعها العمال الفلسطينيين من دخول إسرائيل، وتقييد تحويل عائدات الضرائب، وإضعاف النظام المصرفي، يُقدّر مدير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية، رجا الخالدي، أن إسرائيل قلّصت الاقتصاد الفلسطيني بمقدار الثلث منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

 


اقرأ أيضاً: نتنياهو: لن تكون هناك دولة فلسطينية.. ونائب الرئيس الفلسطيني يرد


 

السيطرة على القرى الفلسطينية

 

عندما سُئل قبل أسبوعين عن أهدافه للضفة الغربية، أجاب سموتريتش: "أقصى مساحة من الأرض مع أقل عدد من العرب". وفي قرية سنجل، الواقعة على بُعد مسافة قصيرة بالسيارة من رام الله، يقول سكان فلسطينيون إن هذه السياسة واضحة للعيان، بحسب تقرير فايننشال تايمز.

وقال رئيس بلدية سنجل، معتز طوافشة، للصحيفة البريطانية، إنه خلال ما يقرب من 30 عاماً منذ اتفاقيات أوسلو، فقدت القرية مئات الأفدنة من أراضيها لصالح أربع مستوطنات مجاورة.

لكن الأمر استغرق بضعة أشهر فقط بعد السابع من أكتوبر 2023 لفقدان كل ما تبقى تقريباً من القرية. يقول طوافشة إن الجيش الإسرائيلي نصب في البداية بوابة على الأرض المحيطة بالمستوطنات. ثم اندلعت اشتباكات مع مستوطنين، أقاموا بؤرة استيطانية صغيرة على تلة مجاورة للقرية. وردّ الجيش الإسرائيلي على الاشتباكات - التي تخللها رشق بالحجارة - بتحذير القرويين بالابتعاد عن البؤرة الاستيطانية. وفي يونيو/ حزيران، بدأ الجيش الإسرائيلي ببناء سياج من الأسلاك الشائكة حول سنجل، مدعياً في رسالة إلى طوافشة أن الهدف من ذلك هو منع رمي الحجارة على الطريق السريع القريب.

 


اقرأ أيضاً: موافقة إسرائيلية على خطة استيطانية تقوض مشروع "الدولة الفلسطينية المتصلة"


 

وبحلول أوائل أغسطس/ آب، كانت القرية بأكملها محاصرة فعلياً، ومخرجها الوحيد تحت حراسة جنود إسرائيليين. ويقول طوافشة: "لقد حولوا سنجل إلى سجن. لا يستطيع الطلاب الوصول إلى جامعاتهم، ولا يستطيع المرضى الوصول إلى المستشفيات، وهجر أصحاب عشرات المنازل، خاصة بعد مقتل فتى في الرابعة عشرة من عمره بالرصاص وهو يقف بالقرب من السياج". وأضاف: "بدأ الناس بالرحيل - هاجر ما لا يقل عن 100 شخص"، بحسب التقرير.

وفي الشهر الماضي، حذرت السلطات الإسرائيلية قرية ترمسعيا المجاورة لقرية سنجل من أنها قد تبني سياجاً مماثلاً هناك، وفقاً لمسؤولي القرية. ويقول طوافشة: "قريباً، ستُدفع فلسطين كلها داخل السياج، وكل شيء خارجه سيكون إسرائيلياً".

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة